الذاكرة العاطفية الموثقة
في هذه الرحلة الزمنية نروي حكاية تنبض بالحياة تحت القصف، وأناسٍ واجهوا الرعب بالصبر. .
من البقاع إلى بعلبك، سنستعرض لحظات الألم والأمل، وتعرّف على وجوه لم تُنسَ وبيوت ما زال صداها حيًا في الذاكرة
سنوثق -المشاعر
من الميدان إلى الذاكرة: علي يزبك يتأمل تجربة تغطية الحرب
بودكاست مع علي يزبك
في لقاء صحفي حمل بعدًا إنسانيًا ومهنيًا، تناول مراسل قناة المنار في البقاع، علي يزبك، محطات بارزة من تجربته في تغطية الحرب الأخيرة. تحدث عن اللحظات التي لا تُنسى، لا سيما حين يكون الصحفي شاهدًا على مشاهد موجعة كتلك التي تتعلق بانتشال الأطفال من تحت الركام. مثل هذه المشاهد تترك أثرًا نفسيًا عميقًا، لكنها أيضًا تدفع إلى الإصرار على نقل الحقيقة
رغم قسوة الميدان، أشار يزبك إلى أهمية الحفاظ على التوازن النفسي خلال التغطية، معتبرًا أن العمل الإعلامي في أجواء الصراع يتطلب وعيًا دائمًا بالمسؤولية، وأن الصورة ليست مجرّد وثيقة، بل أداة لقول ما لا يستطيع الضحايا قوله.
وسلط الضوء على أهمية سرد القصص الشخصية في إيصال حقيقة الحرب. فالأرقام وحدها قد تفقد معناها إن لم ترافقها أصوات من فقدوا أبناءهم أو خرجوا من تحت الأنقاض. مثل هذه القصص، بحسب ما يعكسه حديثه، تملك قدرة فريدة على التأثير في الرأي العام وتحريك المشاعر العالمية تجاه ما يحدث.
أما عن التحديات الأخلاقية، فقد شدد على حساسية اتخاذ القرار في الميدان، بين توثيق اللحظة واحترام مشاعر وكرامة من يعيشون المأساة. وهو اختبار مستمر لكل صحفي ينقل من قلب المعاناة.
وحول الاستهداف المباشر للصحفيين، أوضح أن التجربة الشخصية مع التهديد أو القصف تُغيّر نظرة الصحفي لطبيعة مهمته. لكنها لا تُضعفه، بل تدفعه إلى المزيد من الالتزام والدقة في نقل الصورة.
وفي رسالته للجيل الجديد من الصحفيين، دعا إلى الابتعاد عن "بطولات الحرب"، والتركيز على توثيق الإنسان ومعاناته. فالحرب ليست مشهدًا، بل سياق حيّ مليء بالتفاصيل، وعلى الصحفي أن يلتقط تلك التفاصيل بعينٍ مسؤولة وضمير حي.
هكذا بدأت بعلبك تايمز
حين كانت السماء تمطر بغاراتها على بعلبك، لم تكن أصوات المدينة تُوثَّق فقط عبر عدسات المراسلين المحترفين، بل أيضًا من داخل الأزقة والبيوت. ثلاث فتيات من بعلبك، أطلقن مبادرة "بعلبك تايمز"، وقرّرن خوض الحرب بسلاح مختلف: الهاتف المحمول والكلمة والصورة.
وسط التعتيم الإعلامي على الأطراف، استخدمت الفتيات ما توفّر من وسائل تواصل، لبثّ مباشر للأحداث، ونشر صور الدمار، توثيق الغارات، ونقل صرخات الناس، والكتابة عن يوميات الخوف والصمود. لم يكن هدفهن تحقيق سبق صحفي، بل حفظ نبض المدينة وأرشفة الألم بصوته الحقيقي.
هذه التجربة تتقاطع بعمق مع ما عبّر عنه الصحفي علي يزبك في حديثه عن الحرب، حين قال إن الصحافة ليست نقل أرقام، بل تخليد ذاكرة الناس. لحظة الطفلة التي انتشلها من تحت الركام، لا تختلف كثيرًا عن لحظة فتاة توثق صراخ الجيران في بث مباشر؛ كلاهما يساهم في بناء الذاكرة الحسية والعاطفية للمدينة.
يرى يزبك أن الحرب تختبر الصحفيين أخلاقيًا وإنسانيًا، تمامًا كما اختبرت شابات "بعلبك تايمز"، حين اضطررن إلى التقاط المشهد والتفاعل معه في آنٍ واحد، وهنّ يعيشن القصف كأفراد ويوثقنه كمواطنات صحفيات.
اليوم، وبعد أن مضت الحرب، رجع بعلبك تايمز ليتم ما بدأه، سواء أكانت من عدسة محترف كيزبك، أو من هاتف فتاة بعلبكية،للتحول لذاكرة جمعية حية. أرشيف ليس فقط لما حدث، بل لما شُعر به، وما لم يُسمع من صراخ تحت الركام.